المادة    
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[ورؤساؤهم الأملاك الثلاثة: جبريل وميكائيل وإسرافيل. الموكلون بالحياة؛ فجبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب والأرواح، وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأرض والنبات والحيوان، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الخلق بعد مماتهم.
فهم رسل الله في خلقه وأمره، وسفراؤه بينه وبين عباده، ينزلون الأمر من عنده في أقطار العالم، ويصعدون إليه بالأمر، قد أطت السماوات بهم، وحق لها أن تئط؛ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك قائم أو راكع أو ساجد لله، ويدخل البيت المعمور منهم كل يوم سبعون ألفاً لا يعودون إليه آخر ما عليهم.
والقرآن مملوء بذكر الملائكة وأصنافهم و مراتبهم، فتارة يقرن الله تعالى اسمه باسمهم، وصلاته بصلاتهم، ويضيفهم إليه في مواضع التشريف، وتارة يذكر حفهم بالعرش وحملهم له، وبراءتهم من الذنوب، وتارة يصفهم بالإكرام والكرم، والتقريب والعلو، والطهارة والقوة، والإخلاص. قال تعالى: (( كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ))[البقرة:285].. ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ))[آل عمران:18].. ((هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ))[الأحزاب:43].. ((الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا))[غافر:7].. ((وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ))[الزمر:75].. ((بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ))[الأنبياء:26].. ((إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ))[الأعراف:206] .. ((فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ))[فصلت:38].. ((كِرَامًا كَاتِبِينَ))[الانفطار:11].. ((كِرَامٍ بَرَرَةٍ))[عبس:16].. ((يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ))[المطففين:21].. ((لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى))[الصافات:8]، وكذلك الأحاديث النبوية طافحة بذكرهم؛ فلهذا كان الإيمان بالملائكة أحد الأصول الخمسة التي هي أركان الإيمان]
اهـ.
  1. رؤساء الملائكة الثلاثة الموكلون بالحياة

    الشرح:
    جبريل عليه السلام موكل بأعظم أنواع الحياة، أعني: حياة القلوب، وهي إنزال الوحي الذي به تحيا القلوب بعد الكفر، وتلين بعد القسوة والغلظة وتحيا -بإذن الله- بهذا النور المبين وبهذا الروح كما سماه الله تبارك وتعالى، فقال: ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا))[الشورى:52] فهو روح وحياة، وهو شفاء وهدى، وهو نور وموعظة ... إلى آخر ما ذكر الله سبحانه وتعالى في وصف هذا الذكر العظيم، وجبريل عليه السلام يتنزل به، وهو الذي جعله الله تبارك وتعالى سفيراً بينه وبين خلقه ينزل بمادة الحياة العظمى -الوحي- لحياة قلوبهم.
    وأما ميكائيل فهو موكل بالقطر الذي به حياة الأرض والنبات والحيوان، فما يحتاجه الناس في حياتهم المادية، وكّل الله تبارك وتعالى به ملكاً عظيماً ثانياً هو ميكائيل، الذي ورد أيضاً ذكره في كتاب الله عز وجل مقروناً بجبريل عليهما السلام.
    وأما إسرافيل: فهو الملك العظيم الثالث الذي جعله الله سبحانه وتعالى موكلاً بذلك الحدث العظيم الذي ليس قبله ولا بعده أعظم منه، وهو: النفخ في الصور، وينفخ نفختين -وقيل ثلاثاً- والمقصود من كلام الشارح نفخة الحياة التي بعد الموت، التي يقوم الناس بعدها قياماً ينظرون، قال تعالى: ((ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ))[الزمر:68].
    الشاهد الذي أراده المصنف رحمه الله: أن أعظم أنواع الحياة وأهمها، قد وكّل الله تعالى بها أعظم الملائكة الكرام.
  2. كثرة الملائكة وعبادتهم

    ثم ذكر رحمه الله أنهم رسل الله في خلقه وأمره، وسفراؤه بينه وبين خلقه، ينزلون بالأمر من عنده في أقطار العالم، وكذلك يصعدون إليه بالأمر.
    أما عن كثرة عددهم فذكر رحمه الله حديث: {أطت السماوات، وحق لها أن تئط؛ ما فيها موضع أربع أصابع...}، وفي رواية ابن كثير عن ابن عساكر في تفسير سورة الصافات عند قوله: ((وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ))[الصافات:165] قال: {ما فيها موضع قدم، إلا وملك قائم أو راكع أو ساجد لله تعالى}، وهذا دليل على كثرة الملائكة، وعظمة الخالق استغنائه سبحانه وتعالى بعبادتهم عن عبادة المخلوقين، فالله سبحانه وتعالى في غنى عن عبادة الثقلين بعبادة هؤلاء .. بل بعبادة كل شيء كما ذكر الله سبحانه وتعالى أنه: ((تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا))[الإسراء:44].
    والبيت المعمور في السماء الموازي للبيت المعمور في الأرض -وهو الكعبة- يطوف به من الملائكة كل يوم سبعون ألفاً لا يعودون إليه أبداً، فهم أكثر من الناس عدداً واجتهاداً فلا يسأمون ولا يفترون عن عبادة الله سبحانه وتعالى.
    يقول: "والقرآن مملوء بذكر الملائكة وأوصافهم ومراتبهم" وهذا ما دلل عليه بآيات كثيرة من أن الله سبحانه وتعالى أكثر من ذكر هؤلاء العباد الصالحين لحكم عظيمة.